العبارات الرنانة في العقود: بين الظاهر والعدالة القضائية
تتجه العديد من الشركات والأفراد عند صياغة العقود إلى تضمين عبارات تبدو في ظاهرها حصناً منيعاً يمنع الطرف المتضرر من الاعتراض لاحقاً، حتى وإن ثبت أن العقد يتضمن شروطاً غير عادلة أو مجحفة. ومن أبرز هذه العبارات:
“يُقرّ كلا الطرفين بأنهما اطلعا على العقد وفهماه بشكل ينفي الجهالة والغرر والغبن، وقد رضيا بما جاء فيه واتفقا عليه، وأنهما يوقعان عليه وهما بكامل أهليتهما الشرعية والقانونية.”
قد تبدو هذه الصياغة وكأنها تمنع الطرف المتضرر من اللجوء إلى القضاء للطعن في العقد، ولكن الحقيقة القانونية تختلف تماماً. فالقضاء لا يتوقف عند النصوص الشكلية في العقود، بل يسعى إلى تحقيق العدالة بين الأطراف، حتى لو كان العقد موقعاً برضا الطرفين وبإقرارهم الكامل.
العدالة كأساس للتعاملات
من أبرز سمات الأنظمة القضائية المدنية الحديثة سعيها إلى تحقيق العدل وإنصاف الأطراف المتضررة، حتى في حالة توقيعهم على عقود تنطوي على شروط مجحفة. وقد أكدت المحاكم التجارية والمدنية أن أي شرط في العقد يخالف القوانين أو ينتهك الحقوق الأساسية للطرف الآخر يمكن الطعن فيه أمام القضاء.
إذا ثبت أن أحد بنود العقد يتسبب بضرر مادي أو معنوي للطرف المتضرر، فإن القاضي يملك الصلاحية لإلغاء أو تعديل هذا الشرط بما يضمن حماية الحقوق الأساسية للطرف المتضرر.
حماية الحقوق الأساسية
القانون يضمن الحقوق الأساسية للأفراد، حتى إذا وقعوا على عقود تتضمن عبارات توحي بالتنازل عن تلك الحقوق. ويشمل ذلك الحالات التي يكون فيها الطرف المتضرر قد نفذ جزءاً من التزاماته العقدية أو حتى أكملها. الحق في العدالة هو حق أصيل لا تسقطه أي صيغة تعاقدية تخالف أحكام القانون أو المبادئ العامة للعدالة.
مثال واقعي
لنأخذ مثالاً عملياً: عند فتح حساب بنكي، استئجار شقة، أو الدخول في عقد شراكة، كثيراً ما يجد الأشخاص أنفسهم أمام عقود جاهزة وقعت عليها أعداد كبيرة قبلهم. وقد لا تكون لديهم الخبرة القانونية الكافية لفهم جميع بنود العقد أو تحليل آثارها. إذا اكتشف أحد الأطراف لاحقاً أن هناك بنداً مجحفاً يضر بمصالحه أو يتسبب بضرر غير متوقع، فإنه يحق له اللجوء إلى القضاء للطعن في هذا البند، بغض النظر عن العبارة التي تشير إلى الإقرار بالرضا الكامل عن العقد.
رسالة ختامية
لا تدع العبارات الرنانة في العقود تضعف موقفك أو تمنعك من المطالبة بحقوقك. إذا شعرت بوجود غبن أو شرط غير عادل في العقد، لا تتردد في اللجوء إلى القضاء. فالقانون يقف إلى جانب العدالة، ويضمن حماية حقوقك الأساسية التي جاءت بها الشريعة وأقرها النظام القانوني.
تذكر دائماً: العدل هو الأساس، والقانون أداة لتحقيقه.